✿ حجب النور والظلام ✿
إن التوجه إلى غير الله تعالى يحجب الإنسان بحجب ظلمانية وحجب نورانية. فالأمور الدنيوية بأجمعها إذا ما تسبب في انشداد الإنسان إلى الدنيا وغفلته عن الله تبارك وتعالى، فإنها تبعث على الحجب الظلمانية. وعندما تكون الدنيا وسيلة التوجه إلى الله تعالى والوصول إلى دار الآخرة، التي هي دار التشريف، فإن حجب الظلام هذه تتبدل بحجب النور. وإن كمال الانقطاع هو تبدد كل الحجب النورانية منها والمظلمة، لكي يمكن الورود إلى الضيافة الإلهية التي هي معدن العظمة. ولذا نرى في هذه المناجاة يطلبون من الله تعالى، البصيرة والنور القلبي حتى يتسنى لهم خرق حجب النور وبلوغ معدن العظمة: حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة.
ولكن الإنسان الذي لم يبدد بعد حجب الظلم؛ الإنسان الذي ما تزال كل توجهاته إلى عالم الطبيعة ومنحرفاً عن الله ـ والعياذ بالله ـ ويجهل أساساً عما وراء الطبيعة والعالم الروحي وهو منكوس إلى الطبيعة، ولن يفكر ـ في أي وقت ـ بتهذيب نفسه والاستفادة من القوى الروحية والمعنوية الذاتية لإزالة ما ران على قلبه من ظلمة الذنوب.. إن إنساناً هذا شأنه هو في الحقيقة في أسفل سافلين، الذي هو أدنى حجب الظلام وأشدها : {ثم رددناه أسفل سافلين} ؛ في حين إن الله سبحانه خلق الإنسان في أسمى مرتبة ومقام: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم}.
إن الإنسان الذي يتبع هوى نفسه ولا يهتم منذ أن عرف نفسه بغير عالم الطبيعة المظلم، ولا يفكر مطلقاً في أنه من الممكن أن يكون بعد هذا العالم الملوث ثمة مكان ضيق ومنزل آخر، ولذا تراه غارفاً في حجب الظلمة؛ إن مثل هذه الإنسان هو مصداق لقوله تعالى: {أخلد إلى الأرض واتبع هواه}. فقد ابتعد عن الله تعالى لأن قلبه ملوث بالذنوب وتغلف بحجب الظلام، ولأن روحه ضمرت نتيجة كثرة معاصي؛ ذلك أن عبادة الأهواء وحب الدنيا والجاه، يعمي العقل والعين ويحول دون رؤية الحقيقة، فلا يعود بمقدوره التخلص من حجب الظلام، ناهيك عن التخلص من حجب النور وتحقق مرتبة الانقطاع إلى الله سبحانه.
أجل، فمثل هذا إذا كان يؤمن بشيء، فإن غاية إيمانه لا تتعدى عدم إنكاره لمقام أولياء الله، ولا يصف عوالم البرزخ والصراط والمعاد والقيامة والحساب والكتاب والجنة والنار، بالخرافة! فالإنسان يبدأ يتنكر لهذه الحقائق بالتدريج نتيجة لكثرة ارتكابه المعاصي وتعلقه الشديد بالدنيا. إنه ينكر مكانة الأولياء ومقامهم، مع أن ذلك أمر جلي لا يتعدى عدة عبارات وردت في الدعاء والمناجاة.